العنف ضد النساء بين الممارسة والتشريع في العراق

بحث مشترك ضم جمعية الامل العراقية ومنظمة النجدة الشعبية وشبكة النساء العراقيات بالتعاون مع
البريطانية اعدته الباحثة انفال عبد كاظم LSE جامعة

مظاهرة ضد قتل الناشطات في العراق. المصدر: منظمة العون العام ، العراق

يمثل العنف ضد النساء واحدا من اهم التحديات التي تواجه الجهود الرامية لتحسين واقع المرأة وتمكينها في العراق، لغياب الوعي والفهم المعمق للعوامل والأسباب الجذرية له، لدى النساء وصناع القرار وواضعي السياسات بمناهضة العنف ضد المرأة. ان استمرار الحروب وانتشار الإرهاب والتطرف، وغلبة الأعراف العشائرية على المنظومة القانونية، ساهمت في ارتفاع مستويات العنف الجسدي والجنسي وبروز ظواهر وممارسات ضارة قائمة على التمييز وعدم المساواة، التي تعززت وتداخلت مع الموروث الاجتماعي والثقافي، كل هذه العوامل تحول دون الإبلاغ عن حالات العنف وملاحقة مرتكبيه، بالرغم من كفالة الدستور العراقي بمنع كافة اشكال العنف والتعسف في الاسرة والمجتمع.

نعرض هنا ابرز اشكال وصور العنف الممارس ضد النساء في العراق.

العنف الجنسي

لم تنجو النساء من جرائم داعش التي شملت ولم تقتصر على الخطف والقتل والاغتصاب والاسترقاق والاتجار وإجبار النساء والفتيات على الزواج من عناصر التنظيم الارهابي، التي استخدمها بشكل ممنهج وأداة حرب، ووصفت بانها جرائم حرب وبادة جماعية وجرائم ضد الانسانية[1]. لم تكن النساء النازحات بسبب الحرب بمنأى عن تأثير تلك الممارسات في مخيمات النزوح، حيث واجهن نقصا في تلبية الاحتياجات الإنسانية، وتقييدا للحركة وفقدان فرص كسب العيش، ومنعهن من الاتصال بالعالم خارج حدود المخيمات.

ان الخوف من وصمة العار ونبذ العائلة والمجتمع، اوالتعرض للانتقام، وضعف اجراءات العدالة الجنائية وماتحتويه من ثغرات، افقد النساء المتعرضات للعنف القدرة على الإبلاغ او البحث عن وسائل الدعم والحماية اللازمة، واعاق وصولهن للعدالة، ما زاد من استضعافهن وهشاشتهن وتبعيتهن للغير وقبولهن بما يتعرضن له من عنف.

العنف الاسري

لايزال العنف الاسري يشكل خطرا كبيرا يواجه النساء والفتيات في العراق، وتعد هذه الانتهاكات والممارسات امرا عاديا ومسكوت عنها، في اطار المنظومة الابوية التي تستمد تأثيرها من العادات والتقاليد، ولا يسمح للضحية بالإبلاغ ورفع الشكوى ضد معنفها، مما يجعله يتمادى في انتهاكاته، في ظل المادة ٤١ /أ من قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩، التي منحت حق التاديب للزوجة والأولاد، وعدم تشريع قانون العنف الاسري، بالرغم من حملات المدافعة لمنظمات المجتمع المدني بهذا الشأن.

واظهرت الجهود الحكومية قصورا في معالجة او الحد من جرائم العنف الاسري، بالرغم من إقرارها لاستراتيجية مناهضة العنف ضد النساء في 2018 – 2030، وتشكيل مديرية حماية الاسرة والطفل من العنف الاسري في وزارة الداخلية منذ٢٠٠٩. فلازالت الخدمات الطبية ,والقانونية وبرامج الارشاد النفسي والاجتماعي، وخبرات مقدمي الخدمات والعاملين في هذا المجال تتسم بالضعف، بالإضافة الى عدم توفر دور للإيواء (باستثناء اقليم كردستان)، وافتقار نظام الاحالة إلى المنهجية المؤسساتية.

بالرغم من إقرار قانون مناهضة العنف ضد النساء في إقليم كردستان العراق رقم 8 لسنة 2011، ومثابرة حكومة الإقليم ومنظمات المجتمع المدني في الحد من العنف، الا ان ممارسته لا تزال مستمرة فقد بينت الإحصاءات الرسمية لوزارة الداخلية ٢٠١٨، قتل 91 امرأة أو “انتحرن” في إقليم كردستان، و203 نساء إما “أحرقن أنفسهن” أو أحرقن، وسُجلت 87 حالة اعتداء جنسي، و191 7 امرأة اشتكت من التعرض لأعمال العنف “.

ما يسمى بجرائم الشرف

تعد الجرائم بباعث شريف من أقسى أنواع العنف ضد المرأة، التي عادة ما يقوم به أحد الأقارب تجاه المرأة، اذا ما شاب سلوكها شيئا يمس بشرف الأسرة، اذ تعتبر المرأة مقياسا لشرف الاسرة والقبيلة. وترتفع معدلات هكذا جرائم بالريف عنها في المدينة، لكن لا تتوفر احصائيات دقيقة وموثقة، فغالبا ما تسجل هذه الجرائم ضد مجهول او قضاء وقدر عن طريق الانتحار او الحرق. واعتبرت المادة ( ١٢٨- أ ) من قانون العقوبات لسنة ١٩٦٩ المعدل، ان القتل لباعث شريف عذرا مخففا للعقوبة.

كذلك المادة 409 من قانون العقوبات لسنة 1969 المعدل, اعتبرت كل رجل قتل او اعتدى بالضرب المفضي الى الموت او العاهة المستديمة على زوجته او احدى محارمه او شريكها عند وجودهما في حالة تلبس بالزنا فأن عقوبته لا تزيد عن ثلاث سنوات وللقاضي سلطة تقديرية في تخفيف تلك العقوبة حيث يحكم القاضي عادة بستة اشهر او سنة مع وقف التنفيذ ,ولا يجوز ان تشدد العقوبة على القاتل, اما اذا قتلت المرأة زوجها في حالة تلبسه بالزنا فإنها تعاقب بالعقوبة المقررة قانونا دون اي تخفيف.

زواج الطفلات

يشكل زواج الطفلات ظاهرة شائعة في المجتمع العراقي. تقدر اليونيسيف أن حوالي ربع الفتيات يتزوجن قبل سن الثامنة عشرة (بما في ذلك 5% من الفتيات المتزوجات في سن الخامسة عشرة). كما اشرت تقارير منظمات المجتمع المدني ان 80% من هذا الزواج يتم خارج المحكمة.

منحت المادة الثامنة من قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ النافذ، استثناء من شروط الأهلية لزواج القاصر سواء الفتى أو الفتاة، ممن اكملوا 15 سنة من العمر وبموافقة الولي الشرعي، وبإذن القاضي. كما منح القاضي الإذن بزواج من بلغ الخامسة عشر من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو إلى ذلك، ولم يشترط القابلية العقلية والنضج العقلي، مما يجعل زواج الصغير ممكن حسب اجتهادات القاضي واجتهادات المذهب الذي ينتمي له.

الإتجار بالنساء و الفتيات

تنامت جرائم الاتجار بالبشر وخاصة الاتجار بالنساء والفتيات واستدراجهن للعمل ضمن شبكات الدعارة بشكل لافت في العراق خاصة بعد 2014، حيث انتشرت هذه الظاهرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ساهم الانفلات الأمني والافلات من العقاب واستشراء الفساد في تصاعد نسب هذه الجرائم في مختلف محافظات العراق.

على الرغم من تشريع قانون مكافحة الاتجار بالبشر28 لسنة 2012، الإجراءات الحكومية غير فعالة للحد من هذه الظاهرة، لضعف خبرات العاملين على مستوى التحقيق وجمع البيانات، ومتابعة وملاحقة شبكات الجريمة المنظمة. وكذلك ضعف البرامج التأهيلية والخدمات المقدمة للضحايا التي نص عليها القانون. وغالبا ما تواجه النساء و الفتيات في السجون العراقية احكاما قاسية بتهمة جريمة البغاء، التي تصل احيانا الى الاعدام والسجن 15 عاما.

ختان الإناث

تتعرض الفتيات في مناطق اقليم كردستان العراق إلى الختان، لكنها نادرة الحدوث في الوسط والجنوب. فقد أظهرت احصائية وزارة الداخلية في إقليم كردستان لعام 2018 ان نسبة ختان الإناث بلغت 37%. وان أغلب الفتيات اللواتي أجريت لهن عملية ختان تتراوح أعمارهن بين 2 و9 سنوات. وبالرغم من تجريمه وفقا لقانون الاقليم في مناهضة العنف الاسري فان الجهود الحكومية والمجتمعية لازالت عاجزة عن منعه، لأسباب اجتماعية وعرفية سائدة تحول دون ذلك.

مما تقدم نستطيع ان نستنتج ان هناك ثمة قصور على مستوى التشريعات وبناء وتنفيذ والسياسات الوطنية، والعمل الجاد لمناهضة العنف ضد النساء، لمواجهة العادات والتقاليد التي ساهمت بترسيخه في النظم الاجتماعية والثقافية والقانونية للمجتمع، فلازالت القوانين الجنائية غير مستجيبة للحد والتصدي لهذه الجرائم، بما تتضمنه من مواد تمييزية تكرس العنف ضد النساء، ولا تنسجم مع معايير العدالة والمساواة التي نصت عليها اتفاقية سيداو، وصادق عليها العراق في عام ١٩٨٦

[1] كما اشار الى ذلك تقرير المفوض السامي لحقوق الانسان للامم المتحدة في اذار 2015

لقراءة المقال الاصلي الرجاء اضغط هنا

Share your love

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *